المنشورات

الأهمية الاستراتيجية لتطوير الاستقلالية المحلية في صناعة الأسلحة

الأهمية الاستراتيجية لتطوير الاستقلالية المحلية في صناعة الأسلحة
د. جون بروني

الرئيس التنفيذي لشركة SAGE International، أديلايد، جنوب أستراليا لمركز ربدان للأمن والدفاع (RSDI)، أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة

Insights

15 أكتوبر 2024


إن الاستعداد للحرب هو أحد أكثر الوسائل فعالية لحفظ السلام". -

 جورج واشنطن، 1790، أول خطاب حالة الاتحاد


مقدمة

منذ بدء عملية "Z" الروسية ضد أوكرانيا، انتقل شكل الحرب من الاستخدام النظري الحشود والمعدات الضخمة إلى انفتاح التشكيلات الضخمة على الأرض.

على مدى سنوات، حافظت القوات الغربية على ما يمكن تسميته بـ "القوات متعددة المهام".[1] تتألف هذه القوات من معدات معقدة متعددة الأدوار عبر صنوف الأسلحة الثلاث، مما يسمح لمنصة واحدة بالقيام بأدوار مختلفة.

[1]في السنوات الماضية، كانت الأدوار العسكرية متخصصة للغاية. إذ كانت المنصات المحددة تتطلب عدد من المنصات ذات الاستخدام الواحد لتحقيق التأثيرات التكتيكية أو العملياتية المرغوبة، مما تطلب المزيد من المشغلين وأفراد الدعم. وبما أن المنصات ذات الاستخدام الواحد كانت مصممة لتنفيذ دور واحد، فإن أنظمتها البسيطة أبقت التكاليف منخفضة.[2] وكان ذلك في صالح الدول كثيفة السكان أو ذات المنشآت الصناعية القادرة على الإنتاج بكميات كبيرة. وخلال فترة الحرب الباردة (1947-1991)، سمحت عملية تصغير حجم الإلكترونيات بظهور تدريجي لمفهوم "تعدد الأدوار" للمنصات. تمكنت المركبات المدرعة والسفن من القيام بمهام هجومية ودفاعية متنوعة؛ بينما تمكنت الطائرات المقاتلة من القيام بمهام جو-جو، والاستطلاع، وجو-أرض، كل ذلك بضغطة زر.

في عصر كان يُعتقد فيه إلى حد كبير أن الحروب التقليدية ذات الحشود الضخمة قد عفا عليها الزمن، كانت هناك حاجة إلى عدد أقل من المنصات لأنها كانت ذات "تأثيرات ضخمة"، وتحقق نتائج شبيهة بتلك التي تحققها الحشود الضخمة من خلال التكنولوجيا بدلاً من التفوق العددي. ومع ذلك، كانت دول مثل روسيا وكوريا الشمالية لا تزال تعتمد على الحشود الضخمة التقليدية. والتاريخ العسكري الروسي مليء بأمثلة على كيفية تصدي الحشود الضخمة التقليدية بفعالية للأعداء الأجانب. كما كانت الحرب الكورية (1950-1953)، على الرغم من محدوديتها بسبب المخاوف من التصعيد النووي، حرباً تعتمد أيضاً على الحشود الضخمة.

بالنسبة لهياكل القوة العسكرية الغربية، من أجل مواجهة الحشود العسكرية الضخمة المتفوقة لدول مثل الاتحاد السوفييتي والصين وكوريا الشمالية، فقد ركزت على الابتكار التكنولوجي والأنظمة متعددة الأدوار.[3] ولكن هذا يعني أن الهياكل العسكرية هذه تقلصت في الحجم بمرور الوقت لثلاثة أسباب رئيسية:

1.    كلما كانت المنصة أكثر تعددية من حيث الأدوار، قل عدد المنصات المطلوبة، مما يقلل من قاعدة الأفراد.

2.    أدت مستويات التكنولوجيا المتزايدة باستمرار في الأسلحة الحديثة إلى زيادة تكلفتها بشكل كبير. وبالتالي، كانت الدول قادرة على تحمل تكلفة عدد أقل منها، مما زاد من "الانكماش العسكري" الدولي.

3.    مع انتهاء "حرب الحشود الضخمة"، كان على الحكومات أن تفعل المزيد بقوات أصغر حجماً. الدفاع خلال فترة السلام العالمي النسبي مكلف. وقد تكيفت الولايات المتحدة وحلفاؤها من خلال تجميع الأصول والأفراد العسكريين من خلال بناء التحالفات. ومن بين الحلفاء الغربيين، احتفظت الولايات المتحدة فقط بقدرات التصنيع الشاملة لتوسيع إنتاج الأسلحة بشكل مستقل. ولم يكن بوسع أي دولة أوروبية، ربما باستثناء فرنسا وروسيا، أن تحاكي الولايات المتحدة في هذا الصدد.

كان المحرك الرئيسي الآخر الذي حد من القدرات العسكرية للدول هو دمج شركات تصنيع الأسلحة الوطنية. أدى الدمج إلى تقليل عدد الشركات الكبرى في السوق الدولية، مما خفض المنافسة.[4] وكان بوسع الشركات الكبرى أن تفرض أي سعر ترغب فيه على المنتجات العسكرية دون منافسة، مما يزيد من أرباح المديرين التنفيذيين والمساهمين. كما أن الدمج قلل من عدد المنشآت الصناعية، مما حصر الإنتاج العسكري في مناطق أقل.[5] وأصبحت سلاسل الإمداد بالغة الأهمية للشركات العالمية لتصدير منتجاتها ودعمها طوال عمرها الافتراضي. ونتيجة لذلك، شهدت دول أخرى غير الولايات المتحدة، مثل فرنسا وروسيا وجمهورية الصين الشعبية، انخفاضاً في قدراتها الإنتاجية الدفاعية الوطنية، مما جعلها تعتمد على الحلفاء الرئيسيين أو سوق الأسلحة الدولي. 

ومع ذلك، كانت هناك استثناءات.

الاستقلال الاستراتيجي

يعد الاستقلال الاستراتيجي في الدفاع أمرًا بالغ الأهمية للدول التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على الموردين الأجانب وتعزيز الأمن الوطني. يوفر تطوير القدرات المحلية في تصنيع الأسلحة مزايا استراتيجية كبيرة. سلطت دراسات حالة لدول مثل السويد وإسرائيل وكوريا الجنوبية الضوء على فوائد الصناعات الدفاعية المستقلة.

لقد وفر الاستقلال الاستراتيجي تاريخيًا للسويد مزايا، حيث حافظت على الحياد وتجنبت التورط في صراعات لم تؤثر بشكل مباشر على مصالحها الوطنية.[6] سمحت سياسة عدم الانحياز هذه للسويد بالتركيز على التنمية المحلية، مما عزز المؤسسات القوية والاقتصاد المرن دون تحالفات عسكرية مكلفة. زاد الاستقلال الاستراتيجي من مصداقية السويد الدبلوماسية، مما مكنها من التوسط في النزاعات الدولية وتعزيز السلام والاستقرار الإقليميين. لقد ساهمت هذه المواقف في حماية سيادة السويد وأضافت إلى قوتها الناعمة الفريدة، التي تتميز بحقوق الإنسان والتعاون الدولي. ويبقى تأثير قرار البلاد بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" في 4 أبريل 2023، على صناعاتها الدفاعية الوطنية مجهول.[7]   

بفضل قطاع التكنولوجيا العسكرية المتقدم، حققت إسرائيل الاكتفاء الذاتي، مما مكنها من التكيف السريع والابتكار في إنتاج الأسلحة بما يتناسب مع احتياجاتها الأمنية.[8] وبالمثل، تحولت كوريا الجنوبية من الاعتماد على المساعدات الدولية إلى واحدة من كبار مصدري الأسلحة العالميين، مما عزز مكانتها الجيوسياسية واستقرارها الاقتصادي.[9] تبرز هذه الأمثلة الفوائد الاستراتيجية المترتبة على تطوير صناعات دفاعية قوية ومستقلة، والتي تقوي الأمن الوطني وتساهم في تحقيق السيادة والمكانة العالمية. والواقع أن المستويات العالية من الاعتماد على الذات في مجال الدفاع في السويد وإسرائيل وكوريا الجنوبية تمنحها درجة من الحركة المستقلة في أوقات الحرب. ومع ذلك، فإن قرار السويد بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وتبني معاييره العسكرية قد يقلل من قدرتها على التصرف بشكل منفرد، حيث يتطلب حلف شمال الأطلسي التوافق والعمل البيني بين جميع الدول الأعضاء، الأمر الذي يضع السياسة الاستراتيجية لحلف شمال الأطلسي فوق السياسة الوطنية.

فيما يتعلق بحلف شمال الأطلسي نفسه، فإن الحلف منظم كاتحاد فدرالي. وعلى الرغم من أن الحلف يسترشد بالقيادة الأمريكية، إلا أن الولايات المتحدة هي أكبر وأغنى وأكثر الدول تقدمًا من الناحية التكنولوجية. ولا يوجد لدى حلف شمال الأطلسي عملية شراء عسكرية موحدة. لذلك، فإن الدول الأعضاء لديها مزيج من الأسلحة في ترساناتها. بعضها يأتي من مصادر محلية، وبعضها من شركات تصنيع أوروبية أخرى أو من سوق الأسلحة الدولية، ولكن معظمها يأتي من الولايات المتحدة. وهذا يجعل المكون غير الأميركي في حلف شمال الأطلسي يعتمد على الولايات المتحدة في الحصول على الأسلحة، وإلى حد كبير على الوجود الأمريكي في أوروبا.[10] وقد كشف هذا الاعتماد عن ثغرة استراتيجية حيوية للدول الأوروبية الأعضاء خلال إدارة ترامب الأولى وعملية روسيا العسكرية في أوكرانيا.

الفوائد الاقتصادية والتكنولوجية

تجلب صناعة الدفاع المحلية القوية فوائد اقتصادية وتكنولوجية كبيرة. فهي تحفز خلق فرص العمل عبر مستويات مختلفة من المهارات، من الهندسة إلى التصنيع، مما يعزز التوظيف المحلي والاستقرار الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، فإن تطوير وإنتاج تقنيات الدفاع يعزز الابتكار، ويدفع حدود التقدم في مجالات مثل الأمن السيبراني والفضاء والروبوتات. وغالبًا ما يكون لهذه الابتكارات تطبيقات مزدوجة، مما يفيد الصناعات المدنية ويساهم في التقدم التكنولوجي الوطني.

يعد التصنيع المحلي أمرًا حيويًا في إنشاء نظام بيئي دفاعي مكتفٍ ذاتيًا. ومن خلال الاستثمار في قدرات الإنتاج المحلية، يمكن للدولة تقليل اعتمادها على الموردين الأجانب، مما يعزز الأمن الوطني. ويدعم التصنيع المحلي تطوير حلول مخصصة لتلبية احتياجات دفاعية محددة، مما يضمن موقفًا أكثر استجابة وتكيفًا. ويؤمن هذا النظام البيئي سلسلة التوريد ويحفز الاقتصادات المحلية من خلال شبكة من الموردين ومقدمي الخدمات المتصلين بقطاع الدفاع.

أمن سلسلة التوريد

يعد أمن سلسلة التوريد أمرًا بالغ الأهمية، وخاصة أن سلاسل التوريد الدولية غالبًا ما تُظهر ثغرات تصبح واضحة أثناء الأزمات. ويمكن أن تنشأ هذه الثغرات من التوترات الجيوسياسية، أو النزاعات التجارية، أو الأوبئة العالمية، مما يؤدي إلى تعطيل تدفق السلع والخدمات الأساسية. في المجال الدفاعي، يمكن لمثل هذا التعطيل أن يؤدي تعريض الأمن الوطني للخطر من خلال تأخير المكونات والتقنيات العسكرية الحيوية.

لتخفيف هذه المخاطر، تستخدم الدول بشكل متزايد استراتيجيات لتعزيز مرونة سلسلة التوريد. أحد الأساليب العملية هو تعزيز الإنتاج المحلي، والحد من الاعتماد على الموردين الأجانب، وتقليل التعرض للتعطيلات/ للاضطرابات الدولية. حيث يضمن الإنتاج المحلي توفر المكونات الأساسية بسهولة داخل الحدود الوطنية، مما يعزز قدرات التحكم والاستجابة أثناء حالات الطوارئ.

بالإضافة إلى ذلك، يعد تنويع سلاسل التوريد ضرورة استراتيجية. يمكن للدول تجنب نقاط التعطل/ الفشل الفردية من خلال إنشاء مصادر متعددة للمواد والمكونات الحيوية. يتضمن هذا التنويع مضاعفة عدد الموردين وضمان انتشارهم عبر مناطق جيوسياسية مختلفة لمنع التعرض الجماعي لنفس المخاطر. يشكل الإنتاج المحلي وسلاسل التوريد المتنوعة إطارًا قويًا يؤمن احتياجات الدفاع في الدولة ضد الأزمات العالمية.

الخلاصة

إن تعزيز تصنيع الأسلحة المحلية يشكل استراتيجية محورية لتعزيز الأمن الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب سياستها في تنويع الإمدادات. إن توافر معدات الدفاع الأساسية في الوقت المناسب لا يتعلق فقط بالاستعداد العسكري؛ بل إنه حجر الزاوية للسيادة الوطنية والمرونة والجاهزية. ومن خلال تعزيز صناعة الدفاع المحلية القوية، تستطيع دولة الإمارات العربية المتحدة ضمان تجهيز قواتها المسلحة بشكل جيد لمواجهة التهديدات دون الاعتماد بشكل كبير على الموردين الخارجيين. إن هذا الاستقلال الاستراتيجي أمر بالغ الأهمية، وخاصة في منطقة تتميز بديناميكيات جيوسياسية معقدة.

وعلاوة على ذلك، لا يمكن المبالغة في أهمية الحفاظ على قدرات الإنتاج المحلية وتحديثها بشكل مستمر. ومع احتياج الدفاع إلى التطور مع التكنولوجيا المتقدمة والتكتيكات المتغيرة، فإن القدرة على التكيف والابتكار بسرعة أمر ضروري. وهذا يضمن أن آليات الدفاع تلبي المعايير الحالية وأن تكون محصنة ضد التهديدات المستقبلية المحتملة.

من منظور السياسة، فإن التدابير والاستثمارات المستهدفة ضرورية لرعاية نمو الصناعات الدفاعية المحلية. القدرات. وهذا ينطوي على صياغة سياسات تشجع البحث والتطوير، ودعم التعاون بين الصناعة والأوساط الأكاديمية، وتسهيل تسويق التقنيات الجديدة. وعلاوة على ذلك، فإن تعزيز الشراكات بين الحكومة والصناعة والأوساط الأكاديمية أمر بالغ الأهمية لدفع عجلة الابتكار وتوسيع القدرات الدفاعية. ويمكن لهذه الجهود التعاونية أن تحفز التقدم في التكنولوجيا وعمليات التصنيع، مما يضمن بقاء دولة الإمارات العربية المتحدة في طليعة التكنولوجيا الدفاعية وتطوير القدرات.

***

[1] تُستخدم هذه العبارة لوصف العديد من الجيوش الغربية. لكن هذه المقالة من صحيفة ديلي ميل أستراليا تلخصها بشكل أفضل في وصف القوات المسلحة البريطانية: Churchill D., Daily Mail Australia, April 3, 2024, https://www.dailymail.co.uk/news/article-13265279/Britains-boutique-military-no-depth-former-head-Armed-Forces-claims-amid-calls-increased-defence-spending.html (date accessed: August 21, 2024).

[2]ومن الأمثلة الجيدة والبسيطة على ذلك تطور الطائرات المقاتلة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فصاعدًا كما هو موضح هنا: SkyCombatAce.com SCA, The Evolution of Fighter Jets, https://www.skycombatace.com/blog/fighter-jet-evolution (date accessed: August 21, 2024).

[3] المصدر السابق.

[4] Hartley, K. The Arms Industry, Political Influence, and the Transformation of the Defence Market. Defence and Peace Economics, 18(1), 2007, pp. 19-37.

[5] Mabee, B. The Security State and the Globalization of the Arms Industry. في: The Globalization of Security. New Security Challenges Series. Palgrave Macmillan, London, 2009, https://doi.org/10.1057/9780230234123_5 (date accessed: August 21, 2024).

[6] Miles L., Sweden and European Security: The Derivative Neutrality of a Weak State. Journal of European Integration, 20(1), 1997, pp.61-79.

[7] Norrlof C., The meaning of Sweden’s NATO accession, The Strategist, Australian Strategic Policy Institute (ASPI), March 25, 2024, https://www.aspistrategist.org.au/the-meaning-of-swedens-nato-accession/ (date accessed: August 21, 2024).

[8] Ben-Israel Y., (1992). Israel Defence Industry: Defence and Strategic Studies. Tel Aviv University, Jaffee Center for Strategic Studies, 1992.

[9] Bitzinger R. A., South Korea's Defense Industry: An Emerging Global Arms Supplier. Asian Survey, 53(4), 2013, pp.737-762.

[10] Rynning S., NATO Renewed: The Power and Purpose of Transatlantic Cooperation. Palgrave Macmillan, 2005.


الأهمية الاستراتيجية لتطوير الاستقلالية المحلية في صناعة الأسلحة
An error has occurred. This application may no longer respond until reloaded. Reload 🗙