الفئة : مقال فكري
مدير المركز بالانابة، زميل باحث ول
10 ديسمبر 2024
تتمتع ماليزيا برؤية طموحة لرئاستها المقبلة لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، التي ستبدأ في يناير خلفًا للاوس. إلى جانب تعزيز الشمولية والاستدامة في المنطقة، ستروج ماليزيا لمبدأ "مركزية آسيان"، الذي يسعى إلى ضمان أن يكون مستقبل المنطقة بيد أعضائها، وليس القوى الأجنبية.
تٌشكل ديناميكيات المنطقة، لا سيما في ميانمار وبحر الصين الجنوبي تحديًا لماليزيا. لقد حققت الرئاسات السابقة مثل كمبوديا (2022)، وإندونيسيا (2023)، ولاوس (2024) تقدمًا محدودًا في معالجة هاتين القضيتين، مما أسفر عن انتقادات مفادها أن آسيان أضحت اتحادًا غير فعّال. قد تكون المقاربة العملية التي تتبناها ماليزيا هي الحل لهذه المشكلات العالقة.
التحديات التي تهدد الوحدة: المواقف في الصين وميانمار تعصف يتماسك الكتلة
في معظم القضايا، تُدرك دول آسيان أهمية التكاتف الإقليمي في مواجهة القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية. ومع ذلك، ظل بحر الصين الجنوبي منبعًا للاستقطاب والانقسام بين دول آسيان. على سبيل المثال، عندما تولت كمبوديا رئاسة الرابطة عام 2012، امتنعت عن إدراج النزاع الإقليمي القائم بين الصين وكل من فيتنام وماليزيا وبروناي والفلبين، الذين اتحدوا معًا لمعارضة التوسع الصيني في بحر الصين الجنوبي عبر خطوط النقاط التسع. كان رفض كمبوديا، على الرغم من الضغوط التي مارستها الأفراد المتنافسة لإدراج النزاع، فرصة ضائعة لرابطة آسيان لإيصال رسالة إلى الصين.
كما تواجه رابطة آسيان تحديًا آخر جرّاء الوضع القائم في ميانمار. وقد توصلت الرابطة إلى توافق من خمس نقاط، إلا أن استجابتها تعرضت للانتقاد باعتبارها بطيئة وغير فعالة في حل أزمة اللاجئين الروهينغا. لقد أصبح هذا الملف نقطة خلاف عند التعامل مع الدول الغربية، حيث تم اقتراح فرض عزلة على ميانمار أو حتى استبعادها من الحوارات الهامة، كما حدث في قمة آسيان والولايات المتحدة في عام 2023.
الطريق إلى الأمام: ثمة ثلاث طرق يُمكن لماليزيا من خلالها توجيه آسيان نحو النجاح
على الرغم من هذه الانتكاسات، حققت آسيان نجاحات مثل اتفاقيات التجارة الحرة وإطار عمل آسيان+1 "ASEAN+1" وإطار عمل آسيان+3 "ASEAN+3"، وتأسيس المنتدى الإقليمي لرابطة آسيان في 1994، واجتماع وزراء الدفاع في آسيان في عام 2006، وقمة شرق آسيا في 2005، ومؤتمر التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في 1989.
للمضي قدمًا، تحتاج آسيان إلى ضمان التزام أعضائها التزامًا تامًا بمركزية آسيان، وعدم تجاهلها عندما تصب في مصلحتهم. ينبغي للرابطة أيضًا النظر إلى ما هو أبعد من القضايا السياسية والأمنية وأن تستكشف إمكانية توظيف الشركات والموارد البشرية لتوسيع الأنشطة الاقتصادية داخل المنطقة، يُمكن لماليزيا إحراز تقدم في هذا الصدد من خلال تبني النهج الثلاثي "2Intra-1Inter" (والذي يعني مستويين من التنسيق الداخلي ومستوى واحد من التعاون الخارجي)
1) التيسير لتعزيز التواصل نحو آلية فعّالة لتسوية النزاعات.
تنص المادة 22 من المبادئ العامة في ميثاق آسيان على ما يلي: يتعين على الدول الأعضاء السعي إلى تسوية جميع النزاعات بطرق سلمية وفي إطار زمني مناسب وذلك عبر آليات الحوار والتشاور والتفاوض."[i] بشكل تقليدي، تلتزم دول آسيان بمبدأ عدم التدخل، مما يُحد من نطاق الاتصالات لتقتصر على قضايا التنمية والتعاون. ومع ذلك، في حالة ميانمار، تواجه آسيان قضايا عالقة تثير مخاوف أمنية للدول المجاورة، لا سيما عندما يصل اللاجئون الفارون من البلاد إلى أراضي دول الجوار مثل إندونيسيا وتايلاند وماليزيا. في الوقت الراهن، توقف التواصل استنادًا إلى احترام مبدأ عدم التدخل.
تواجه آسيان نزاعات إقليمية متنوعة مثل الضباب العابر للحدود، والهجرة غير الشرعية، والمناطق الاقتصادية الحصرية، والقضايا البحرية، ولا يُمكنها الاستمرار في إدارة النزاعات بطريقة سلبية استنادًا إلى مبدأ عدم التدخل. ومن هنا، يتعين على ماليزيا تسهيل آليات التواصل بشكل أكثر فعالية وتطوير آلية لتسوية النزاعات الإقليمية من أجل تعزيز مركزية رابطة آسيان. ويُمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز آليات الحوار بين ممثلي الحكومات والخبراء غير الحكوميين (المعروفة بدبلوماسية المسار 1.5)، بالإضافة إلى التفاعلات غير الرسمية بين أعضاء الجماعات أو الدول المتنازعة بهدف تطوير استراتيجيات قائمة على (الدبلوماسية من المسار 2)، وهذا من شأنه التأثير في الرأي العام وتنظيم الموارد البشرية والمادية بطرق قد تساعد في تسوية النزاعات.[ii]
2) تسهيل تعزيز حركة الثروات والموارد البشرية داخل المنطقة.
في نهاية فترة رئاستها للآسيان في عام 2015، قدمت ماليزيا مبادرة مجموعة آسيان الاقتصادية (AEC)، التي تهدف إلى تحويل المنطقة إلى سوق موحد قائم على قاعدة إنتاجية تُؤسس بحلول عام 2025. وقد كانت هذه المبادرة تُعتبر هدفًا طموحًا قبل عقد من الزمن، حيث كانت المنطقة آنذاك تعاني من تفاوتات اقتصادية بين أعضائها، وكان التقدم نحو تحقيق السوق المشتركة محدودًا، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب ردود الفعل تجاه جائحة كوفيد-19 التي دفعت المزيد من الدول إلى التركيز على اقتصاداتها المحلية.
عندما تولت لاوس رئاسة آسيان في عام 2016، شهد التقدم في مجموعة آسيان الاقتصادية تباطؤًا ملحوظًا، ومع ذلك، فإن ماليزيا قادرة على إحياء هذا المشروع الآن بعد أن أصبحت في موقع القيادة مُجددًا. لتحقيق ذلك، يتعين عليها تأسيس مراكز داخل المنطقة بغية تسريع تكامل السوق وضمان تسهيل حركة الموارد البشرية والثروات بشكل كامل. وعلى وجه التحديد، يتعين تمكين 100 شركة خاصة (30 شركة كبيرة، و40 شركة متوسطة الحجم، و30 شركة صغيرة) من تجاوز جميع العوائق الاقتصادية في المنطقة. كما يُمكن للمجتمعات المحلية الاستفادة من الفائض الاقتصادي من خلال دمج الجهات الفاعلة الإقليمية في أسواقها المحلية. من جهة أخرى، ستُتاح للشركات المحلية في آسيان الفرصة لدخول الأسواق الأجنبية داخل دول الأعضاء، مما يسهم في إنشاء دورة مستدامة من الموارد البشرية والثروات داخل الإقليم.
3) تيسير النهج التكاملي مع الشركاء لإبراز مصالح آسيان كعنصر أساسي لها.
في المادة 1 من ميثاق آسيان، الذي دخل حيز التنفيذ منذ عام 2008، تهدف الرابطة إلى "الحفاظ على المركزية والدور الاستباقي للآسيان بوصفها القوة المحركة الرئيسية في علاقاتها وتعاونها مع شركائها الخارجيين ضمن هيكل إقليمي مفتوح وشفاف وشامل."[iii] هذا بدوره أسهم في تطوير أطر عمل متعددة مثل آسيان+1 "ASEAN+1"، و آسيان بلس ثريي " ASEAN Plus Three " (APT)، ومنتدى آسيان الإقليمي (ARF)، واجتماع وزراء دفاع آسيان بلس (ADMM+)، وقمة شرق آسيا (EAS)، ومنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC).
ومع ذلك، فإن الحفاظ على السيطرة المركزية لم يكن أمرًا يسيرًا، خاصة في ظل التطورات الجيوسياسية الأخيرة. فقد أدى التنافس بين الصين والولايات المتحدة إلى تقويض التماسك الداخلي لدول آسيان، التي اضطرت إلى توجيه اهتمامها نحو إدارة علاقاتها مع القوى الكبرى. كما أن صعود مجموعة البريكس والمنظمات متعددة الأطراف الأخرى قد أسفر عن نشوء تحديات جديدة أمام آسيان[iv].
لن يكون التعامل مع هذه التعقيدات أمرًا يسيرًا لدولة مثل ماليزيا، غير أن البلاد تتمتع بوجود دبلوماسيين ذوي خبرة، من الذين تم اختبارهم في إدارة مواقف معقدة مثل حوادث طائرات الخطوط الجوية الماليزية في عام 2014 (MH370 وMH17) على الرغم من تعقيد مفاوضات آسيان، فقد أثبتت كوالالمبور قدرتها التفاوضية التي مكنتها من جمع القوى الكبرى والمتوسطة حول طاولة المفاوضات وذلك بفضل دبلوماسيتها المتبصرة.
كما يُشير رزقيل سوكما، مدير الدراسات في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في جاكرتا إلى أن " آسيان تتمتع بموقع استراتيجي يُمكنها من إحداث التغيير، إلا أن ذلك يستدعي جرأة سياسية عالية وتنسيقًا غير مسبوق، فضلاً عن هياكل إقليمية مؤسسية، ومستويات رفيعة من الدبلوماسية الاستباقية. إن مسؤولية آسيان في هذا السياق واضحة."[v]
[i] ميثاق آسيان (2007)، متاح عبر الرابط https://asean.org/wp-content/uploads/images/archive/publications/ASEAN-Charter.pdf
[ii] Montville, J. (1991). Unofficial Diplomacy at Work (pp 161-175). Massachusetts: Lexington Books.
[iii] ميثاق آسيان (2007)، متاح عبر الرابط https://asean.org/wp-content/uploads/images/archive/publications/ASEAN-Charter.pdf
[iv] Wicaksana, G.W. & Karim M.F. (2023) “How Regional Organisation Survives: ASEAN, Hedging and International Society,” Contemporary Politics, 29:5, 659-679.
DOI: 10.1080/13569775.2023.2216031
[v] Rizal Sukma, “Insight: Without Unity, No Centrality,” The Jakarta Post (17 July 2012).