الفئة : مقال رأي
مدير المركز بالانابة، زميل باحث ول
15 ديسمبر 2024
كان موضوع الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام: "عدم ترك أي شخص خلف الركب: العمل معًا لتعزيز السلام والتنمية المستدامة وكرامة الإنسان للأجيال الحالية والمستقبلية." شهدت الاجتماعات كلمات ألقاها قادة بارزون من مختلف أنحاء العالم، عبّروا خلالها عن آرائهم العميقة حول هذا الموضوع المحوري، واستمعوا إلى وجهات نظر زملائهم من القادة العالميين. ومع اختتام فعاليات الجمعية العامة التي انعقدت في سبتمبر، يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى تتحول الأفكار والمبادرات التي طُرحت في مثل هذه المنصات إلى سياسات عملية تؤدي إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع؟
كونها منظمة عالمية نشأت من رحم الحرب، كانت الأمم المتحدة في طليعة جهود تخفيف حدة النزاعات الدولية، ولكن الأفكار التي تُناقش في مقرها الواقع في 760 بلازا غالبًا ما تتعثر عند مرحلة التنفيذ. هذا التعثر يُضعف قدرة المنظمة على حشد الدعم والموارد من الدول الأعضاء. ومع مرور السنوات، تصبح النزاعات العالمية أكثر تعقيدًا، مما يجعل الحلول تبدو بعيدة المنال بالنسبة للأمم المتحدة.
وباعتبار الأمم المتحدة منظمة تقوم على مبدأ المؤسسية الليبرالية، التي تعتمد على المؤسسات متعددة الأطراف لتسهيل التعاون بين الدول، هل يمكن أن يكون هذا المبدأ نفسه غير قادر على تقديم الحلول؟ أم أن السلام العالمي هدف طموح للغاية لا تستطيع المؤسسية الليبرالية، ولا أي منظمة دولية أخرى، تحقيقه؟ من جهة أخرى، هل يعود التفاوت بين التوقعات والنتائج إلى أننا وضعنا للأمم المتحدة غاية أسمى من قدراتها الفعلية؟ ببساطة، هل نحن نُحمّل الأمم المتحدة أكثر مما تستطيع تقديمه؟
لا يمكن تجاهل النجاحات التي حققتها الأمم المتحدة على مر السنين. عندما اندلعت الأزمة في تيمور الشرقية عام 2006، أُجبر 150 ألف شخص على النزوح. ووفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1704، أطلقت الأمم المتحدة بعثة متكاملة بمشاركة أكثر من 20 دولة لتعمل كقوة مؤقتة لإنفاذ القانون وضمان الأمن العام. وبعد ست سنوات من الاضطرابات، نجحت الجهود أخيرًا في تحقيق السلام في عام 2012، حيث أعادت الأمم المتحدة السيطرة على العمليات إلى السلطات المحلية. لقد لعبت المنظمة دورًا محوريًا في مناطق نزاع متعددة على مدار التاريخ الحديث، وهي حاليًا تدير 11 مهمة لحفظ السلام حول العالم. ورغم أن هذه العمليات قد لا تحقق الانسجام الكامل، إلا أنها ساهمت بشكل كبير في تحسين الأوضاع وتهيئة ظروف أفضل.
ومع ذلك، التوقعات للسلام العالمي في الوقت الراهن تبدو قاتمة. الحرب بين روسيا وأوكرانيا، التي اندلعت في عام 2022، تشهد تصعيدًا خطيرًا مع تزايد التهديد باستخدام الأسلحة النووية. وفي الشرق الأوسط، تتفاقم الأزمات؛ حيث لا تظهر التطورات الأخيرة أي بوادر لتهدئة الصراع بين إسرائيل وحماس، الذي اندلع في 7 أكتوبر من العام الماضي. ومع اقتراب نهاية عام 2024، أدى سقوط نظام الأسد في سوريا إلى خلق فراغ في السلطة، مما زاد من تعقيد المشهد. هذه الاتجاهات تعكس تراجعًا ملحوظًا في التعاون والاستقرار على الصعيد العالمي، مع تصاعد الانقسامات بشكل متسارع بين الجهات الحكومية وغير الحكومية. في عام 2025 وما بعده، سيواجه العالم اختبارًا صعبًا بين قيم التعاون التي تسعى الأمم المتحدة لترسيخها، وبين الاتجاهات المتنامية نحو الانقسام والعزلة التي باتت تسيطر على المشهد الدولي.
قد تتساءل الأجيال الحالية والمستقبلية: من يتحمل مسؤولية تحقيق السلام المستدام وحمايته؟ من الناحية المنطقية، ينبغي أن تكون هناك جهة أو شخص يتحمل هذه المسؤولية. ولكن الواقع يظهر أن لا أحد يبدو راغبًا في القيام بهذا الدور. وحتى إذا وُجد من يتولى هذه المهمة، كيف يمكن تزويده بالأدوات اللازمة لإنجاز مثل هذا التحدي الهائل؟ لعل السؤال الأكثر إلحاحًا الذي يجب أن تطرحه الأجيال الحالية والمستقبلية هو: هل نريد حقًا تحقيق السلام المستدام؟
في ظل سيطرة التشاؤم على الآمال بتحقيق السلام العالمي، يبدو أن العودة إلى الأساسيات هي الخطوة الأهم. غالبية المواطنين لا يعيرون اهتمامًا كبيرًا لبنية المؤسسات أو أساليب الحُكم بقدر اهتمامهم بفهم الدور الحقيقي الذي تلعبه الأمم المتحدة في الشؤون العالمية. هذا التقييم الصادق يمكن أن يقدم لنا تصورًا أوضح لشكل العالم في المستقبل.
ربما لن يتحقق السلام الدائم أبدًا، وربما يكون السلام الكامل هدفًا بعيد المنال. ولكن ما يمكننا فعله هو تحسين الأوضاع السيئة. على صانعي السياسات أن يعيدوا توجيه النقاشات من التركيز على الأمننة إلى تبني نهج التهدئة، مع رسم مسارات جديدة لاستراتيجيات بناء السلام التحولي في الشرق الأوسط وخارجه. من خلال تعزيز التعاون بين التخصصات وفتح قنوات الحوار المستنير، يمكننا المساهمة في وضع توصيات سياساتية وحلول عملية تهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار المستدامين. وعلى المجتمع الدولي أن يتكاتف مع الأمم المتحدة في إطار جهود تخفيف حدة النزاعات والعمل نحو عالم أكثر استقرارًا.